الأربعاء، 7 يونيو 2017

@ تحرك تركي إيراني لاحتواء الأزمة الخليجية @ تقرير قناة الجزيرة @ TAHA ...

تحرك تركي إيراني لاحتواء الأزمة الخليجية

@ أخطاء شوبير أثناء التعليق @ شلوط حازم أمام لرمضان صبحي @ يوم الثلاثا...

حدث أثناء مبارة الأهلي والزمالك في الدور الثاني موسم 2014/2015 مساء يوم الثلاثاء 2015 07 21  أن وقف رمضان صبحي علي الكرة والاهلي فائز بالمبارة 2/صفر فما كان من حازم امام لاعب الزمالك الا ان ضرب رمضان صبحي بالشلوط  واعتبر الحكم ذلك سوء سلوك من حازم امام واعطي له كارت احمر مباشر  - ( أخطاء شوبير أثناء التعليق )     لكن الكابتن شوبير أخطاء في ذلك علي الهواء مباشرآ أثناء أذاعة للمبارة بأن رمضان صبحي هو الذي أخذ أنذار لسوء السلوك وشكر الحكم علي ذلك

@ حب الرسول يابا @ من ساحةالمسجد النبوي الشريف @ منظر في غاية الروعة وا...

ساحةالمسجد النبوي الشريف تحت المظلات العملاقة أثناء النهار  في شهر رمضان 2017 منظر في غاية الجمال والروعة  - وحب الرسول يابا 

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

@ تقرير قناة الجزيرة في مقاطعة الدول العربية الخليجيةبقيادة السعودية وال...

تقرير قناة الجزيرة في مقاطعة الدول العربية الخليجيةبقيادة السعودية والبحرين  لي قطر  ومعها مصر واليمن وليبيا والباقية تأتي وذلك يوم العاشر من رمضان 2017 الموافق يوم الأثنين 5/ 6/ 2017  /  ميلادي  10/ 9 / 1438 هجري وتاريخ هذا اليوم عجيب في كونة نكسة ميلادية وأنتصار عربي - بمعني انة يحمل تاريخ الخامس من يونية ولا ننسي حرب 1967 ونكسة العرب واحتلال الارضي العربية ويحمل ايضا يوم العاشر من رمضان عام 1973 وهو أهم أنتصار عربي يتم تحقيقة في التاريخ العربي الحديث والذي وقفنا عنده نحن العرب ونعمل االآن للخلف در

في زمن العجب &  يصبح العدو صديق ( أسرائيل )  & والآخ عدو ( قطر ) وفي عالم السياسة كثير سوف نشاهد العجب

الأحد، 4 يونيو 2017

@ أهداف مبارة الأهلي × الوداد @ دوري أبطال أفريقيا @ 2 / 0 @ مؤمن زكريا...

في ختام الجولة الثالثة لدوري أيطال أفريقيا للمجموعات لعب النادي الأهلي المصر ي ونادي الوداد المغربي علي استاد الجيش ببرج العرب بالاسكندرية ويفوز الأهلي علي الوداد 2 /0 بهدفي مؤمن زكريا و جنيور أجاي ليتصدر النادي الأهلي قمة المجموعة برصيد 7 نقاط 

ترتيب فرقرالمجموعة

النادي       الترتيب           النقاط           الدولة

الأهلي      الأول                   7              مصر

زناكو       الثاني                   7             زامبيا

الوداد      الثالث                    3           المغرب

القطن     الرابع                      0          الكاميرون

@ نهايةأهواك طعام علي المائدة @ ياسمين غاضبة @ من فليم بنات وسط البلد @ ...

نهايةأهواك طعام علي المائدة مما أدي الي أن ياسمين أتصدمة وتركة الطعام غاضبة من ذلك  المشاهد من  فليم بنات وسط البلد 

السبت، 3 يونيو 2017

الجمعة، 2 يونيو 2017

@ أهداف مباراه الزمالك × أتحاد العاصمة الجزائري @1 / 1 @ دوري أبطال أ...

في الجولة الثالثة لبطولة دوري ابطال افريقيا للمجموعات يتعادل الزمالك المصري مع اتحاد العاصمة الجزائري 1/1 في استاد الجيش ببرج العرب بالاسكندرية & احرز   هدف أتحاد العاصمة فاروق شافعي في الشوط الاول من المبارة & احرز للزمالك مايوكا في الوقت بدل الضائع للمبارة وبذلك يحتل الزمالك صدارة المجموعة 

النادي                 الترتيب            النقاط               

الزمالك               الاول              5 نقاط 

اتحاد العاصمة   الثاني              4نقاط 

اهلي طرابلسي   الثالث            4 نقاط 

كابس يونيتيد   الرابع             3نقاط

@ الحلقة التاسعةو العشرون@ الأخيرة @ السيرة النبوية الشريفة @ حجة الوداع...

حجة الوداع

بعد أن أتم النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة ، وفُتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، فرض الله الحج على الناس وذلك في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ، فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج ، وأعلن ذلك ، فتسامع الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الحج هذا العام ، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يحج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يأتم به.
 فخرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة ، وانطلق بعد الظهر حتى بلغ ذي الحليفة ، فاغتسل لإحرامه وادهن وتطيب ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما ، وواصل السير وهو يلبي ويقول:( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، فلما قرب من مكة ، نزل بذي طوى ، وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل ، ودخل مكة نهاراً من أعلاها ، فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحل من إحرامه ، لأنه كان قارناً وقد ساق الهدي معه ، وأمر من لم يكن معه هدي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة ، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يحلوا من إحرامهم ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء .
وفي ضحى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة - وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات - ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى نزل بنمرة ، ولما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن وادي عرنة ، وقد اجتمع حوله الألوف من الناس ، فخطب الناس خطبة جامعة ذكر فيها أصول الإسلام ، وقواعد الدين ، وكان مما قاله -صلى الله عليه وسلم -:  ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم  هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ) .
ثم أذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى موقف عرفات ، فاستقبل القبلة ، ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وهنالك أنزل عليه قوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 33) .
فلما غربت الشمس أفاض من عرفات، وأركب أسامة بن زيد خلفه ، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ( أيها الناس عليكم السكينة )  ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها  المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم نام حتى أصبح ، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ، ثم ركب ، حتى أتى المشعر الحرام - وهو موضع بالمزدلفة - ، فاستقبل القبلة ، ودعا الله وكبره وهلله ووحده ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر الصبح وانتشر ضوء ه ، ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس ، وهو يلبي ولا يقطع التلبية ، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات ، فلما وصل إلى منى رمى جمرة العقبة راكباً بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة .
ثم خطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وفضله عند الله وحرمة مكة على غيرها ، وأمرهم بالسمع والطاعة ، وأن يأخذوا عنه مناسكهم ، ويبلغوا عنه ، ونهاهم أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض .  
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم أمر علياً أن ينحر ما بقي من المائة .
فلما أكمل - صلى الله عليه وسلم - نحر الهدي استدعى الحلاق فحلق رأسه ، وقسم شعره بين من حوله من الناس .
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة راكباً ، وطاف بالبيت طواف الإفاضة ، وصلى بمكة الظهر ، ثم رجع إلى منى في نفس اليوم ، فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت ودخل وقت الظهر أتى الجمرات ، فبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ، يرمي كل جمرة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، وفعل ذلك في بقية أيام التشريق ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ، ويعلم الشرائع ، ويذكر الله ، ويقيم التوحيد ، ويمحو معالم الشرك .
وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، نفر النبي صلى الله عليه وسلم من منى ، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح ، وأقام هناك بقية يومه وليلته ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ونام نومة خفيفة ، وبعدها ركب إلى البيت ، فطاف به طواف الوداع ، ثم توجه راجعاً إلى المدينة .
وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه ، بعد أن بين للمسلمين مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم ، وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الإسلام ، وحجة الوداع ، ولم يمكث بعدها أشهرا ًحتى وافاه الأجل ، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.



@ الحلقة الثامنة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ عام الوفود @ TAHA ...

عام الوفود

بعد فتح مكّة في العام الثامن للهجرة ، وانتهاء غزوة تبوك ، وسقوط آخر المعاقل المقاومة لدولة الإسلام ، وظهور نتائج الصراع بين الحق والباطل ، وبين التوحيد والشرك ، بادرت قبائل العرب إلى لإسلام ، وأقبلت الوفود إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - من كل حدبٍ وصوب ، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم : { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً }( النصر : 22 ) ، حتى ازداد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستّين وفداً - كما تشير مصادر التاريخ - ، واهتمّ بعض العلماء في ذكر تفاصيلها وإيراد أخبارها كابن إسحاق  في سيرته و ابن سعد  في الطبقات ، وهذه لمحة موجزة عن أهم تلك الوفود :
وفد بني تميم
يعتبر وفد بني تميم من أبرز الوفود التي جاءت إلى المدينة في ذلك العام ، وذلك لمكانتها بين قبائل العرب ، وسمعتها في مجال الأدب والخطابة والشعر .
وكان قدومهم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم –  بسبب سريّة عيينة بن حصن رضي الله  عنه إليهم ، فقد أسر منهم أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة ، فقدم رؤساؤهم وأشرافهم ليشفعوا في هؤلاء الأسرى .
ويحكي علماء السيرة تفاصيل دخولهم على النبي – صلى الله عليه وسلم – وندائهم له على نحوٍ منافٍ للأدب نزل على إثرها قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } ( الحجرات : 44 ) ، كما جرى بينهم وبين المسلمين سجالات شعريّة  ومعارضات خطابيّة ، كانت في النهاية سبباً في إسلامهم وإسلام قومهم بعد ذلك.
وفد عبدالقيس
تذكر المصادر التاريخية أن رجلاً من بني عبدالقيس يُقال له منقذ بن حيّان كان يرد المدينة  للتجارة ، فرأى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنصت لكلامه فأعجبه ، فأسلم وحسن إسلامه ، ثم بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – بكتابٍ إلى قومه يدعوهم إلا الإسلام ، فتوافدوا عليه في ذلك العام وسألوه عن الإيمان والأشربة ، وكان كبيرهم هو الأشج  الذي قال فيه النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة )  رواه مسلم  .
وفد نجران
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أرسل إلى نصارى نجران يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فبعثوا إليه بوفد من أشرافهم ليقابلوه ، ودار النقاش طويلاً بين أولئك النصارى وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونزلت الكثير من الآيات التي تجيب عن تساؤلاتهم .
وبعد أن رأى رسول الله  – صلى الله عليه وسلم – تعنّتهم وإصرارهم على تزوير الحقائق دعاهم إلى المباهلة – أي الملاعنة - كما أمره الله تعالى في قوله : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا  وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ( آل عمران : 611 ) ، فامتنعوا عن المباهلة خشية أن  يكون ذلك سبباً في هلاكهم ونزول العذاب عليهم ، ثم تصالحوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – على دفع الخراج ، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أمينا لقبض المال منهم ، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة ، رواه البخاري  ، ثم ما لبث  الإسلام أن انتشر بينهم ، حتى بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – من يأخذ منهم صدقاتهم.
وفد بني حنيفة
جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم  مسيلمة الكذّاب ، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث  التي كانت مخصّصة للوفود ، أما  مسيلمة فكان يطمع في الملك والرياسة واستنكف عن الإسلام ، ولذلك كان يقول لمن حوله : " إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس  رضي الله عنه ، وفي يده عليه الصلاة والسلام قطعةٌ من جريد النخل ، فقال – صلى الله عليه وسلم – :  ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وهذا ثابت يجيبك عني )  ، ثم انصرف عنه ، رواه البخاري  .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قد رأى في منامه كأنّ في يديه سوارين من ذهب ، فأصابه الهمّ لذلك ، حتى سمع في المنام من يأمره أن ينفخ فيهما ، فلما فعل ذلك استحالا تراباً ، فأوّلهما النبي – صلى الله عليه وسلم – بخروج من يدّعي النبوة كذباً وبهتاناً ، فكان أحدهما العنسيّ في اليمن ، ومسيلمة في بني حنيفة ، وتفاصيل الرؤيا في صحيح البخاري  .
وفد الحميريّين من أهل اليمن
كانت للحميريّين وفادة في السنة التاسعة من الهجرة وافقت قدوم وفد بني تميم ، وكانوا أفضل منهم ، فقد قبلوا بشارة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، كما جاء عن  عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم :  ( يا أهل اليمن اقبلوا البشرى ، إذ لم يقبلها بنو تميم ) فقالوا : " قبلنا " ، رواه البخاري  ، ثم قالوا : " أتيناك  لنتفقّه في الدين " ، وسألوه عن بدء الخلق وأحوال العالم ، فأجابهم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك كلّه كما في البخاري  .
وفد طيء
قدم وفد من أعيان طيء للقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وبصحبتهم سيّدهم زيد الخيل رضي الله عنه ، والذي أسماه النبي – صلى الله عليه وسلم - زيد الخير  ، فعرض  عليهم النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام فقبلوه ، وحسن إسلامهم .
وفد بني عامر
استقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفد بني عامر وأحسن ضيافتهم ، فأعجبوا بأخلاقه عليه الصلاة والسلام فأسلموا جميعاً ، وأعلنوا تأييده ، وبالغوا في مدحه ، فعن  أبي مطرف رضي الله عنه قال : " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : أنت سيّدنا ، فقال : ( السيد الله تبارك وتعالى )  ، قلنا : وأفضلنا فضلاً ،  وأعظمنا طولا ، فقال  لنا : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ، ولا يستجرينّكم الشيطان )   رواهالترمذي  .
وممن جاء في ذلك الوفد زعيم القوم عامر بن الطفيل ، لكنّه لم يأت مهاجراً إلى الله ورسوله ، بل قدم يريد الغدر برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكفاه الله شرّه ، وقد عرض على النبي عليه الصلاة والسلام مقاسمته في الملك ، أو أن يعهد إليه بالخلافة من بعده ، وإلا فالحرب بينه وبين المسلمين ، ولم تمضِ أيّام قليلة على تهديده حتى ابتلاه الله تعالى بالأورام الخبيثة فمات وهو راكبٌ فرسه ، رواه البخاري  .
وفد بني سعد بن بكر
أرسلت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه وافداً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ويروي الإمام البخاري قصة قدومه عن أنس بن مالك  رضي الله عنه أنه قال : "  بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله – أي أوثق حباله - ، ثم قال لهم : أيكم محمد ؟ ، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : الرجل ابن عبد المطلب ؟ ، فقال له : ( قد أجبتك )  ، فقال الرجل : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد عليّ في نفسك ، فقال : ( سل عما بدا لك )  ، فقال له : أسألك بربك ورب من قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ ، فقال : ( اللهم نعم )  ، فقال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ ، فقال :  ( اللهم نعم ) ، فقال له : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ، فقال : ( اللهم نعم )  ،  فقال له : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟  فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم نعم )  فقال الرجل: آمنت بما جئت به  ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة  أخو بني سعد بن بكر "أ.هـ.
ولما رجع إلى قومه اجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى : قالوا مه – أي : اسكت -  يا ضمام  ، اتق البرص والجذام ، اتق الجنون ، قال : ويلكم ،  إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله عز وجل قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، إنى قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه " ، ولم يمض ذلك اليوم حتى أسلم ديار بني بكر كلّها ، يقول قال ابن عباس  رضي الله عنهما : " فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة " رواه أحمد  .
وفد المراديين
ذكر علماء السيرة قدوم فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مع جماعة من قومه ، كما أورد الإمام الترمذي  طرفاً من خبره ، حين أتى إلى النبي  - صلى الله عليه وسلم – فقال له : " يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ؟ فأذن لي في قتالهم ، وأمرني ، " ، فلما خرج من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام سأل عنه ، وأرسل من يطلبه ، فلما جاءه قال له :  ( ادع القوم ، فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ) .
ويروي ابن إسحاق في السيرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استعمله على قبائل مراد ومذحج وزبيد ، وأرسل معه خالد بن سعيد بن العاص  رضي الله عنه على أمر الصدقة ،  وظل معه حتى توفي الرسول – صلى الله عليه وسلم – .
وفد كندة
أرسلت كندة وفداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – يرأسهم الأشعث بن قيس رضي الله  عنه ، فأعلنوا إسلامهم ، واستقرّوا في المدينة أيّاماً ليتلقّوا العلم من النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وكان من حملة ما سألوه السؤال عما اشتهر لديهم من عودة أصول أهل قريش إلى كندة ، فنفى النبي عليه الصلاة والسلام ذلك قائلاً :   ( نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمّنا ، ولا ننتفي من أبينا )  والمقصود بالقول السابق إثبات نسبتهم للنضر بن كنانة ، ولذلك كان الأشعث بن قيس  رضي الله عنه يقول : " لا أوتي برجل نفي رجلا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد " رواه ابن ماجة  .
وفد قوم جرير بن عبدالله البجلي
قدم جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه من أرض اليمن مع وفد من قومه إلى المدينة ليعلنوا إسلامهم ، ويحكي جرير  رضي الله عنه لحظات وصوله فيقول : " لما دنوت من  المدينة أنخت راحلتي ، ثم لبست حُلّتي ، ثم دخلت المسجد ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم -  يخطب ، فرماني الناس بالحدق – أي واجهوا أنظارهم إليه - ، فقلت لجليسي : يا عبد الله ، هل ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمري شيئا ؟ ، قال : نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال :  ( إنه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ، ألا وإن على وجهه مسحة ملك ) ، يقول جرير  رضي الله عنه : فحمدت الله عز وجل " رواه أحمد .
وفد ثقيف
عندما قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم في المسجد ؛ ليكون أرق لقلوبهم إذا سمعوا القرآن ورأوا الناس تصلي ، فمكثوا يتردّدون على النبي - صلى الله عليه وسلم – وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فعرضوا عليه أن يعقد معهم صُلحاً يأذن لهم فيه بموجبه بالزنا وشرب الخمر وأكل الربا ، ويترك لهم اللات ، ويعفيهم من الصلاة ، فأبى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فتشاوروا فلم يجدوا محيصاً من الإسلام ، واشترطوا أن يتولّى رسول الله  – صلى الله عليه وسلم – هدم اللات ، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم قبل ذلك ، وأمّر النبي عليه الصلاة والسلام عليهم عثمان بن أبي العاص  رضي الله عنه لأنه كان  أحرصهم على التفقّه في الدين وتعلّم القرآن .
وفد تميم الداري
كان تميم الداري رضي الله عنه رجلا نصرانيا ، فجاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم  فبايعه على الإسلام ، وقد سرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بلقائه ، فقد كان شاهداً على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به من أمر الدجال وأوصافه ، حينما التقى به في إحدى أسفاره ، والقصّة بتمامها مذكورة في صحيح مسلم  .
وبإمكاننا أن نستقي من الأخبار السايقة المنهج النبوي العظيم في كيفيّة التعامل مع المدعوّين ومراعاة مشاعرهم واختلاف مستوى مداركهم ، كما تعكس تلك الأخبار دقّة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتنظيمه من خلال تهيأته الأماكن لاستقبال تلك الوفود وإعداد دور الضيافة لهم ، وتظهر أيضاً حرص القادمين على معرفة أحكام الدين وشرائعه ، فكانت هدايتهم هدايةً لمن ورائهم من العرب .

الخميس، 1 يونيو 2017

@ الحلقة السابعة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ غزوة تبوك @ TAHA G...

غزوة تبوك....والمواجهة الأخيرة

من كان يصدّق أن العرب الذين كانوا مجرّد قبائل متناحرة ، ليس لهم كيانٌ يُذكر ، ولا أيّ قدرةٍ على مواجهة الأخطار الخارجيّة ، سيأتي عليهم يومٌ يتوّحدون فيه ، وتكون لهم دولة مستقلّة ، ويجابهون أعظم قوّةٍ في ذلك الزمان ، ويغزونها في عقر دارها ؟ .


إنّ ذلك لم يكن ليتحقّق إلا في ظلّ رسالة الإسلام ، والتي أصبح المسلمون من خلالها قوةً يحسب لها الآخرون ألف حساب ، حتى استطاعوا أن يعودوا إلى مكّة فاتحين خلال ثمان سنين من هجرتهم ، ليستقبلوا أفواج الناس التي أقبلت للدخول في دين الله  .


فبعد استقرار الوضع الداخليّ في مكّة ، توجّه النبي - صلى الله عليه وسلم – بالنظر إلى الخارج لإكمال مهمّة الدعوة والبلاغ ، خصوصاً وأنّ الأنباء كانت قد وصلت إليه أنّ الروم بدأت بحشد قوّاتها لغزو المسلمين ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يبادرهم بالخروج إليهم ، في غزوة عرفها التاريخ باسم " غزوة تبوك " .


وقد جاءت تسمية هذه الغزوة من " عين تبوك " التي مرّ بها المسلمون وهم في طريقهم إلى أرض الروم ، وسُمّيت أيضاً بــ" غزوة العسرة " لما اجتمع فيها من مظاهر الشدّة والعسرة، حيث حرارة الجوّ ، وندرة الماء ، وبعد المكان ، وفوق هذا وذاك كان المسلمون يعيشون  حالة من الفقر وضيق الحال ، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحال في قوله تعالى : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة }  ( التوبة : 117 ) .


ونظراً لتلك الظروف الصعبة ، استقرّ رأي النبي - صلى الله عليه وسلم  - على التصريح بجهة الغزو على غير عادته ، وذلك لإدراكه بعد المسافة وطبيعة العدوّ وحجم إمكاناته ، مما يُعطي الجيش الفرصة الكاملة لإعداد ما يلزم لهذا السفر الطويل ، إضافةً إلى إن وضع الدولة الإسلامية قد اختلف عن السابق ، حيث تمكّن المسلمون من السيطرة على مساحاتٍ كبيرةٍ من الجزيرة العربية ، ولم يعد من الصعب معرفة وجهتهم القادمة .


وهكذا أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم  - النفير ، وحث الناس على الإنفاق في سبيل الله قائلاً : ( من جهّز جيش العسرة فله الجنة ) رواه البخاري  ، فاستجاب الصحابة لندائه ، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، فأما عثمان بن عفان  رضي الله عنه فانطلق  مسرعاً إلى بيته وأخذ ألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - ، وتكفّل بثلاثمائة بعير بكامل عدّتها ، فاستبشر النبي - صلى الله عليه وسلم  - من فعله وقال : ( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) رواه الترمذي .


وحاول عمر بن الخطاب أن يسبق أبا بكر فأتى بنصف ماله ، وإذا بأبي بكر رضي الله عنه يأتي بكل ما عنده دون أن يُبقي لأهله شيئاً ، فقال عمر  رضي الله عنه : " والله لا أسابقك  إلى شيء أبداً " .


وتصدّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بألفي درهم ، إلى جانب الصدقات العظيمة التي قدّمها أغنياء الصحابة كالعباس بن عبد المطلب ، و طلحة بن عبيد الله ، و محمد بن مسلمة ، و عاصم بن عدي ، رضي الله عنهم أجمعين .


وكان لفقراء المسلمين نصيبٌ في الصدقة ، حيث قدّموا كل ما يملكون في سبيل الله مع قلّة ذات اليد ، فمنهم من أتى بصاعٍ من تمر ، ومنهم من جاءّ بنصف صاعٍ أو أقلّ .


ووقف علبة بن زيد رضي الله عنه ينظر إلى جموع المسلمين ، وهي تتسابق على الإنفاق  والصدقة ، والحسرة تملأ فؤاده حيث لم يجد ما يتصدّق به ، فلما جاء الليل وقف يصلّي ويبكي ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ، ورغّبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به مع رسولك ، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض " ، وفي الصباح سمع النبي - صلى الله عليه وسلم  - يقول :  ( أين المتصدق هذه الليلة ؟ )  ، فلم يقم أحد ، فأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم  - مرّة أخرى فلم يقم إليه أحد ، فشعر علبة  رضي الله عنه أنه المقصود بذلك ، فقام وأخبره الخبر ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم  - :  ( أبشر ، فوالذي نفس محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة ) .


واستغلّ المنافقون هذه المواقف المشرّفة للسخرية من صدقات الفقراء ، والتعريض بنوايا الأغنياء ، وقد كشف القرآن عن خباياهم فقال سبحانه : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ، والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذاب أليم } ( التوبة : 79 ) .


كما حاولوا أن يصدّوا الناس عن الخروج ، بالترهيب من لقاء العدوّ تارةً ، والترغيب في الجلوس والإخلاد إلى الراحة تارةً أخرى ، خصوصاً أن الغزوة كانت في وقت شدّة الحرّ وطيب الثمر .


ولم يتوقّف كيد المنافقين عند هذا الحدّ ، بل قاموا ببناء مسجد في أطراف المدينة ليكون مقرّاً لهم ، يدّبرون فيه المؤامرات للقضاء على الإسلام وأهله ، وطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - أن يصلّي فيه كنوعٍ من التمويه والخداع ، لكنّ الله بيّن لنبيّه حقيقة نواياهم ، ونهاه عن الصلاة في مسجدهم .


واجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم  - ثلاثون ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وغيرهم من أبناء القبائل العربيّة ، ودفع باللواء إلى أبي بكر الصديق  رضي الله عنه ، وقام بتقسيم الجيش إلى عددٍ من الألوية ، وعيّن على كلٍ منها قائداً ، ثم استخلف  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ليقوم برعاية أهله , فشقّ عليه أن تفوته هذه الغزوة ، فذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم  - يستأذنه في الخروج ، فقال له عليه الصلاة والسلام:   ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ، غير أنه لا نبي بعدي ) رواه البخاري . 


وجاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم  - يطلبون منه أن يعينهم بحملهم إلى الجهاد ، والنبي - صلى الله عليه وسلم  - يعتذر بأنّه لا يجد ما يحملهم عليه من الدوابّ ، فانصرفوا وقد فاضت أعينهم أسفاً على ما فاتهم من شرف الجهاد مع رسول الله  - صلى الله عليه وسلم  - ، فخلّد الله ذكرهم إلى يوم القيامة ، وأنزل فيهم قوله: { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } ( التوبة : 911 – 922 ) ، وكانت رغبتهم الصادقة في الخروج سبباً لأن يكتب الله لهم الأجر كاملاً ، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم  - قال :  ( إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ؛ حبسهم العذر )  .


أما المنافقون فقد تخلّف معظمهم عن الغزو ، وقاموا بادّعاء الأعذار الكاذبة ، فمنهم من اعتذر بعدم القدرة على السفر ، ومنهم من اعتذر بقلّة المتاع ،ومنهم من اعتذر بشدّة الحرّ ، ومنهم من اعتذر بإعجابه بالنساء ، وخوف الفتنة بنساء الروم ، فقبل النبي - صلى الله عليه وسلم  - أعذارهم ، وأنزل الله آياتٍ في سورة التوبة تفضح أمرهم ، وتكشف حقيقة كذبهم ، وتنذرهم بالعذاب الأليم .


وانطلق الجيش بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم  - نحو الشمال ، وفي الطريق مرّوا على ديار ثمود ، فسارع بعض المسلمين ليروا مساكنهم ، ويقفوا على آثارهم ، وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم  - فدعا الناس ثم قال لهم :  ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين ؛ حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم )  ، ثم أمرهم بالإسراع في الخروج ،  فأخبره الصحابة أن بعضهم قد تزوّدوا بالماء للشرب وصنع العجين ، فأمرهم بإراقة ذلك الماء ، وإطعام العجين للدواب ، إلا أنه استثنى ما أخذوه من بئر ناقة صالح عليه السلام .


وبدأت المعاناة بسبب نقص المياه ، وشدّة الحرارة ، وقلّة الرواحل ، حتى إن البعير الواحد كان يتناوب عليه الجماعة من الرجال ، واضطرّ بعضهم إلى أكل أوراق الشجر ونحر الإبل ليشربوا ما في بطونها ، وبعد أن بلغ بهم الجهد مبلغاً عظيماً شكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم  - ، فدعا ربّه بنزول المطر ، ولم يكد ينتهي من دعائه حتى أمطرت السماء وارتوى الناس ، وكانت هذه المعجزة تثبيتاً للمؤمنين وتخفيفاً لمعاناتهم .


وكان أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه قد تأخّر عن الجيش ، فبحث عن راحلةٍ تمكّنه من  اللحاق بهم ، فلم يجد سوى راحلةٍ هزيلة ، فلما أبطأت به وخشي أن يتأخّر ، أخذ متاعه وحمله على ظهره ، ومشى على قدميه حتى اقترب من الجيش ، فرآه أحد الصحابة فقال : " يا رسول الله ، هذا رجلٌ يمشي على الطريق " ، فقال - صلى الله عليه وسلم  - : ( كن  أبا ذر ) ، فلمّا تأمّله القوم قالوا : " يا رسول الله ، هو والله أبو ذرّ  " ، فقال عليه الصلاة والسلام: ( رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده ) رواه الحاكم .


وكان ممن تخلف عن الغزو في أوّل الأمر  ، أبو خيثمة الأنصاري رضي الله عنه ، حيث لم  يستطع أن يحمل نفسه على الخروج ، وفي يومٍ من الأيام دخل بستاناً له ، ورأى زوجتيه وهما يعدّان له المكان الظليل والماء البارد ، فاستيقظ ضميره ، وعاتب نفسه ، كيف يجلس في الظلّ والنعيم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم  - يعاني شدّة الحرّ ومشقّة الطريق ؟ ، فندم وأخذ سلاحه وركب دابّته، حتى أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم  - في تبوك ، وذهب إليه معتذراً , فعاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم  - على ما كان منه ، ثم عفا عنه ودعا له بخيرٍ .


وعندما وصل الجيش إلى تبوك ، لم يجدوا أثراً للروم أو القبائل الموالية ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم  - سريّةً بقيادة خالد بن الوليد  رضي الله عنه إلى دومة الجندل ،  وغنموا عدداً كبيراً من المتاع والأنعام ، واستطاعوا أن يأسروا ملكها " أكيدر بن كندة " ، وأتوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم  - ، فصالحه على دفع الجزية ، ثم أطلق سراحه .


ومكث النبي - صلى الله عليه وسلم  - في تبوك عشرين يوماً ، يستقبل الوفود التي جاءت للمصالحة ودفع الجزية من أهل " جرباء وأذرح "وغيرهما ، وكان منهم وفد ملك " أيلة " الذي بعث بهديّةٍ من كساء وبغلة بيضاء ، فقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم  -  .


وبعد أن تحقّق المقصود من الغزو ، عاد الجيش الإسلاميّ إلى المدينة ، فلما اقترب منها خرجت جموع النساء والأطفال لاستقبال النبي - صلى الله عليه وسلم  -  والاطمئنان على سلامته ، ثم توجّه النبي - صلى الله عليه وسلم  - إلى مسجده وصلّى فيه ركعتين ، ثم جلس مع الناس ، وجاءه المنافقون يعتذرون إليه ، فقبل أعذارهم وأوكل سرائرهم إلى الله ، وحضر إليه الثلاثة الذين خُلّفوا عن المعركة فلم يقبل أعذارهم ، ونهى الناس عن مخالطتهم والكلام معهم ، حتى أنزل الله توبتهم .


هذه هي أحداث آخر غزوة للنبي - صلى الله عليه وسلم  - ، استطاع من خلالها  إسقاط هيبة الروم ، وتوطيد سلطان الإسلام في الجزيرة ، وإيصال رسالة إلى قبائل العرب بمقدار القوّة التي بلغها المسلمون ، الأمر الذي كان له أعظم الأثر في استجابتهم لدعوة الحق وقبولهم للإسلام بعد ذلك .

@ الحلقة السادسة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ غزوة حنين @ TAHA G...

غزوة حنين تداعياتها ونتائجها

وافقت أحداث هذه الغزوة السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ودارت رحاها في وادي حنين، وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون كيلو مترًا تقريبًا، من جهة عرفات‏. وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثنا عشر ألفًا؛ عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة .
سبب الغزوة :
لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم ‏:‏ " الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا " .
وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا ( هوزان ) و( ثقيف ). فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد ( هوزان ). وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم .
مجريات الغزوة ووقائعها :
وكان مالك بن عوف رجلاً شجاعًا ومقدامًا، إلا أنه كان سقيم الرأي، وسيء المشورة؛ فقد خرج بقومه أجمعين، رجالاً ونساء وأطفالاً وأموالاً؛ ليُشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وقد اعترضه في موقفه هذا دريد بن الصمة - وكان فارسًا مجربًا محنكًا، قد صقلته السنون، وخبرته الأحداث - قائلاً له: وهل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك، لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك: فضُحْتَ في أهلك ومالك. فسفَّه مالك رأيه، وركب رأسه، وأصر على المضي في خطته، لا يثنيه عن ذلك شيء .
وانتهى خبر مالك وما عزم عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يجهز جيشه، ويعد عدته لمواجهة هذا الموقف. وكان مالك بن عوف قد استبق زمام المبادرة وتوجه إلى حنين، وأدخل جيشه بالليل في مضائق من ذلك الوادي، وفرق أتباعه في الطرق والمداخل، وأصدر إليهم أمره، بأن يرشقوا المسلمين عند أول ظهور لهم، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد ‏.‏
وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد عبأ جيشه بالسَّحَر، وعقد الألوية والرايات، وفرقها على الناس، وقبل أن يبزغ فجر ذلك اليوم، استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بما كان قد دُبِّر لهم بليل. وبينما هم ينحطون على ذلك الوادي، إذا بالنبال تمطر عليهم من كل حدب وصوب، وإذا بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانهزم المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة لذلك الجمع الكبير ‏.‏
وانحاز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، وهو يقول‏:‏ ( إلي يا عباد الله، ‏أنــا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ‏)‏ ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار ‏.‏
وقد روى لنا العباس رضي الله عنه هذا الموقف العصيب، وصوَّره لنا أدق تصوير، فقال: ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   أي عباس ! نادِ أصحاب السَّمُرَة - أي: أصحاب بيعة العقبة - فقال عباس : أين أصحاب السمرة ؟  قال: فوالله لكأَن عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي، عَطْفة البقر على أولادها - أي: أجابوا مسرعين - فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار...فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: حمي الوطيس ، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد ، قال: فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبرًا - يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة - ) هذه رواية مسلم في "صحيحه". وقد فرَّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه، والتجؤوا إلى الطائف، وتحصنوا بها، وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فريقًا من الصحابة، حاصروهم، وقاتلوهم حتى حسموا الأمر معهم .  
وهذا الحدث وما رافقه من مجريات ووقائع، هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى، بقوله‏:‏ ‏{‏ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين }‏ (‏التوبة‏:‏25-26) .
لقد كان موقف رسول الله وثباته في هذه المعركة مع قلة من الصحابة دليلاً ناصعًا، وبرهانًا ساطعًا على عمق إيمانه بالله، وثقته بنصره وتأييده، وتحققه بأن نتيجة المعركة سوف تكون إلى جانب الحق. وإنك لتبصر صورة نادرة، وجرأة غير معهودة في مثل هذه المواقف؛ فقد تفرقت عنه صلى الله عليه وسلم الجموع، وولوا الأدبار، لا يلوي واحد منهم على أحد، ولم يبق إلا رسول الله وسط ساحات الوغى، حيث تحفُّ به كمائن العدو من كل جانب، فثبت ثباتًا عجيبًا، امتد أثره إلى نفوس أولئك الفارين، فعادت إليهم من ذلك المشهد رباطة الجأش، وقوة العزيمة .
موقف أم سليم :
ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم ، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن ) .
تداعيات هذه الغزوة :
ثم إن من تداعيات هذه المعركة، ما كان من مسألة تقسيم الغنائم - وقد غنم المسلمون مغانم كثيرة في هذه المعركة - وكانت هذه القسمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفْهَم أول الأمر، فأُطْلِقتْ ألسنة شتى بالاعتراض‏، والقيل والقال .
وحاصل خبر تداعيات تقسيم الغنائم، ما رواه ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال‏:‏ لما أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القَالَةُ - يعني كثرة الكلام بين الناس - حتى قال قائلهم‏:‏ لقي - واللّه - رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء‏.‏ قال‏:‏ ‏( ‏فأين أنت من ذلك يا سعد‏ ؟ ‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي‏.‏ قال‏:‏ ‏( ‏فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة‏ )‏‏.‏ فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا‏.‏ وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال‏:‏ لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏( ‏يا معشر الأنصار، ما قَالَة بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏؟‏ وعالة فأغناكم اللّه‏؟‏ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى، اللّه ورسولـه أمَنُّ وأفضل. ثم قال‏:‏ ‏( ‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول اللّه‏؟‏ للّه ورسوله المن والفضل‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك. ‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم فيَّ لَعَاعَةٍ من الدنيا - يعني شيئًا تافهًا - تَألفَّتُ بها قومًا ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم‏؟‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكتُ شِعب الأنصار. وإنكم ستلقون أثرة من بعدي، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ‏) فبكي القوم حتى اخضلت - تبللت - لحاهم، وقالوا‏:‏ رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرق الجمع‏ .  
الدروس والعبر المستفادة :
لقد كانت غزوة حنين هذه درسًا عظيمًا في العقيدة الإسلامية، وممارسة عملية لفهم قانون الأسباب والمسببات؛ فإذا كانت وقعة بدر قد علَّمت الجماعة المسلمة أن القلة إذا كانت مؤمنة بالله حق الإيمان، وآخذة بأسباب النصر، لا تضر شيئًا في جنب كثرة الأعداء؛ فإن غزوة حنين قد علمت تلك الجماعة درسًا جديدًا، حاصله أن الكثرة الكاثرة لا تغني شيئًا، ولا تجدي نفعًا في ساحات المعركة، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وإذا لم تكن قد أخذت بأسباب النصر وقوانينه. فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة، وإنما ثمة أمور أخر ورائها، لا تقل شأنًا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارًا، لتقرير نتيجة أي معركة .   
فكانت حنين بهذا درساً، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه قواعد النصر وقوانينه، قال تعالى: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } (محمد:77) .
ويدل موقف أم سليم في هذه المعركة على مدى حرص الصحابيات رضي الله عنهن على مشاركتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتبليغ رسالته، ومواجهة أعدائه .
ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة، والعبر المستخلصة منها، حكمة سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الغنائم وتوزيعها، فقد اختص في هذه المعركة الذين أسلموا عام الفتح بمزيد من الغنائم عن غيرهم، ولم يراع في تلك القسمة قاعدة المساواة بين المقاتلين. وفي هذا دلالة على أن لإمام المسلمين أن يتصرف بما يراه الأنسب والأوفق لمصلحة الأمة دينًا ودنيا .  
ويستفاد من بعض تصرفاته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، أن الدافع الأول وراء مشروعية الجهاد، هو دعوة الناس إلى دين الإسلام، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، وإرشادهم إلى الدين القويم، وهو الهدف الأساس الذي جاءت شريعة الإسلام لأجله؛ ولم يكن الهدف من مشروعية تلك الغزوات تحقيق أهداف اقتصادية، ولا تحصيل مكاسب سياسية. يشهد لهذا المعنى موقفه صلى الله عليه وسلم من مالك بن عوف - وكان المحرك الأساس، والموجه الأول لمعركة حنين - فقد سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه عن مالكٍ، فقالوا: إنه بالطائف مع ثقيف، فقال لهم: أخبروه، أنه إن أتى مسلمًا رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مئة من الإبل، فأُخبر مالك بذلك، فجاء يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مئة من الأبل، وأسلم فحسن إسلامه. والخبر ذكره ابن إسحاق .
كل هذا - وغيره كثير - يدل دلالة واضحة على أن الجهاد في أصله ليس إلا ممارسة لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الوظيفة الأساس من الجهاد، والهدف المرام من تشريعه، دعوة الناس إلى الدين الحق، وضمان حريتهم في اعتناق هذا الدين .   

@ الحلقة الخامسة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ فتح مكة @ TAHA GIB...

فَتحُ مَكَّة .. درس نبوي في التواضع والعفو

قلما يجد المتأمل في تاريخ البشرية كلها ـ قديما وحديثا ـ نصرا وفتحًا يُضاهي فتح مكة في روعة قيمه وسمو أخلاقه، فهو يوم الفتح الأعظم، وهو يوم المرحمة، ويوم البر والعفو، ويوم العز والتواضع، يقول ابن القيم : " هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا ".

على مدى ثلاثة عشر عامًا ظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو قومه إلى الإسلام، ولم يستجب له إلا القليل، وتحمَّل البلاء الشديد في سبيل دينه ودعوته، ودُبِّر له الكثير من المكائد، وفُعِل به وبأصحابه ما لا يتخيل من الإيذاء والاضطهاد، إلى أنْ أذن الله له وللمسلمين بالهجرة .. وفي المدينة أقام ـ صلى الله عليه وسلم ـ دولةً تقوم على الأخوة والبر، والعدل والرحمة، وكان بينه وبين قريش معارك شديدة، إلى أن كان صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة، والذي كان من نصوصه قيام هدنة لعشر سنوات، وإعطاء الحق للقبائل في الدخول في حِلف أحد الطرفين، فدخلت قبيلة بكر في حلف قريش، ودخلت قبيلة خزاعة في حِلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكن قريشًا نقضت العهد والصلح وأغرت رجال (بكر) بـ(خزاعة)، وحرضتهم عليهم، واشتركوا معهم في قتل رجال من خزاعة غدرًا، فانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنشد بين يديه شعرًا يشرح فيه غدر قريش وخيانتها ونقضها لعهد الحديبية .

وفي العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، توجه الجيش الإسلامي الذي بلغ عشرة آلاف مقاتل إلى مكة، ودخلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاتحا في تواضع عجيب، حيث كان يركب ناقته القصواء وقد أحنى رأسه على رَحله تواضعًا لله ـ عز وجل ـ .

تواضع لله :

مواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقل الرجال، وما حُفِظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - رغم كثرة فتوحاته وانتصاراته، أنه اغترَّ أو تكبر بنصر، بل ازداد تواضعا إلى تواضعه.


وفي هذا اليوم العظيم ـ يوم الفتح الأكبر ـ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو خافض رأسه تواضعًا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل، ودخل وهو يقرأ سورة الفتح مستشعرًا نعمة الفتح وغفران الذنوب، وإفاضة النصر العزيز, فهذا الفتح المبين يذكره بماض طويل الفصول: كيف خرج مُطارَدًا؟ وكيف يعود اليوم منصورًا مؤيدًا؟، وأي كرامة عظمى حفه الله بها؟، وكلما استشعر هذه النعمة ازداد لله خشوعًا وانكسارا، وانحناء وتواضعا .

لقد حاز نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأخلاق أعلاها وأكملها، والتواضع كان وصفا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تخلَّق به امتثالا لأمر الله تعالى حين خاطبه بقوله سبحانه: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الحجر: 88)، فكان أكثر الناس تواضعا، وألينهم جانبا، وسيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف والعبر في هذا الخلق العظيم، وما حُفِظ عنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه اغتر بنصر أو قوة، أو أنه تكبر على أحد، أو فاخر بنفسه ومكانته، مع أنه انتصر في غزوات كثيرة، وحظي عند ربه بأعلى المقامات، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى، ومع علو منزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة كان يقول: ( لا تُطروني -لا تجاوزوا الحد في مدحي- كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا : عبد الله ورسوله) رواه البخاري .

العفو الجميل :

لقد دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة دخول نبي كريم، دخول من أرسله الله رحمة للعالمين، ولم يدخل دخول المنتصرين الجبارين الذين يبطشون وينتقمون من أعدائهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وآذوهم وقاتلوهم، بل قابل ذلك بالعفو الكريم، والصفح الجميل، ولو شاء أن يثأر وينتقم لفعل، ولكن هذا ليس من طبعه ولا من أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي سبق أن جاءه ملَكُ الجبال فعرض عليه أن يطبق على من آذاه الجبلين، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري .
وها هو اليوم في قمة انتصاره وتمكينه، يقطف ثمار صبره وصبر أصحابه وجهادهم، فتحا مبينا، دون علو في الأرض ولا فساد، بل في تواضع لله، وعفو جميل عمن أساء إليه، فقال قولته الشهيرة لمن حاربه وآذاه هو وأصحابه: ( ما ترون أني فاعل بكم ؟، قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: { قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي .
وهو درس في أخلاقيات الفتح والنصر، فأقرب الدعاة إلى نشر دعوتهم أحاسنهم أخلاقًا، وأحق الدعوات بالنجاح أكارمها أخلاقًا، ومن ثم كان من أثر عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - الشامل عن أهل مكة، أن دخلوا ـ رجالاً ونساءً، وأحراراً وعبيداً ـ في دين الله طواعية واختياراً، وبدخول مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في دين الله أفواجاً .

ألا ما أجمل العفو عند المقدرة، وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد والانتقام، بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عن من؟، عن قوم طالما عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة !!.
إن غاية ما يُرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال عنه ربه عز وجل: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء:107)، والذي قال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه البخاري .
والنبوة من خصائصها العفو والتسامح، ثم أليس من صفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ؟ .

لقد ضرب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها، وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، وسمو نفس لم تعرفه البشرية بأسْرِها، وهذا من دلائل نبوته وعظيم أخلاقه، فإنه لا يستطيع أن يفعل هذا إلا نبي .
وحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته العطرة حافلة بالوقائع الدالة على ذلك، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كأني أني أنظر إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) رواه البخاري .
قال القاضي عياض : " قال القاضي أبو الفضل : انظر ما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان، وحسن الخلق وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على السكوت عنهم حتى عفا عنهم، ثم أشفق عليهم ورحمهم، ودعا وشفع لهم، فقال: اغفر أو اهد، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله: لقومي، ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال: فإنهم لا يعلمون " .

لقد كان فتح مكة أهم انتصار وفتح للإسلام، أكرم الله به نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة والمسلمين عامة، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الصبر والدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام، وقد أعطانا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه دروسا نبوية كريمة، منها التواضع والعفو، وصدق الله ـ عز وجل ـ الذي قال عنه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:44) . 

@ الحلقة الرابعة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ فتح خيبر @ TAHA GI...

من أحداث غزوة خيبر

بعد أن فَرغ النبي صلي الله عليه وسلم من صلح الحديبية، عزم على تصفية خطر اليهود والقضاء على كيدهم ومؤامراتهم، فأمر بالتجهز للخروج إلى خيبر التي تبعد عن المدينة المنورة مائة وثمانين كيلومتراً، والتي أصبحت آخر معقل من معاقل اليهود، ووكراً للمؤامرات على الإسلام والمسلمين، وفي شهر المحرم من العام السابع من الهجرة النبوية سار الجيش الإسلامي بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصونها وقوة عتادها الحربي، وكان المسلمون أثناء سيرهم يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم قائلاً: (أيها الناس! تدعون سميعاً قريباً وهو معكم) رواه البخاري.

وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر فجاءها ليلاً، وكان إذا جاء قوماً بليل لا يُغير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم (آلات زراعية)، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس (الجيش)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) رواهالبخاري.

أخذ المسلمون في فتح حصون خيبر واحداً تلو الآخر، وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون، منها حصن ناعم الذي استغرق فتحه عشرة أيام، واستشهد في أثناء فتحه الصحابي محمود بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه، وكان قد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولم يفتح الله عليه، وعندما  جهد الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحب اللهَ ورسوله، لا يرجع حتى يُفتح له، فطابت نفوس المسلمين، فلما صلى فجر اليوم الثالث دعا عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ودفع إليه اللواء، فحمله، فتم فتح الحصن على يديه.

وقد شهدت غزوة خيبر العديد من الأحداث، والدلائل والمعجزات التي أجراها الله عز وجل على يد نبيه صلى الله عليه وسلم، منها: إخباره بموت واستشهاد عامر بن الأكوع رضي الله عنه. قال سلمة رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر! ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل  يحدو بالقوم، يقول:


                                                اللهم لولا أنت ما اهتدينا         ولا تصدقنا ولا صلينا
                                                فاغفر فداء لك ما اتقينا           وثبت الأقدام إن لاقينا
                                                وألقين سكينة علينا                 إنا إذا صيح بنا أبينا
                                                                  وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هذا السائق؟) قالوا: عامر بن الأكوع، قال:(يرحمه الله) فقال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله! لولا أمتعتنا به) رواه مسلم. وفي روايةللبخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من هذا؟ قال: أنا عامر، قال: غفر لك ربك، قال(سلمة): وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله، لولا مَتَّعْتَنا بعامر). قال النووي: "معنى (وجبت) أي: ثبتت له الشهادة وسيقع قريباً، وكان هذا معلوماً عندهم أن من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء في هذا الموطن استُشْهِد، فقالوا: هلاَّ أمتعتنا به، أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر؛ لنتمتع بمصاحبته ورؤيته".

استشهاد عامر بن الأكوع:

كان الصحابة رضي الله عنهم ـ كما قال النووي وغيره ـ يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا استغفر لرجل منهم استشهد، فعلموا أن عامر بن الأكوع رضي الله عنه سيُسْتَشهد وقد وقع ذلك. قال سلمة بن الأكوع: (لما كان يوم خيبر قاتل أخي (عامر) قتالا شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وشكُّوا فيه: رجلٌ مات في سلاحِه، وشكُّوا في بعضِ أمرِه، قال: سلمة فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أرجز لك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب: اعلم ما تقول، قال: فقلت:

                                                     والله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت

                                                     وأنزلن سكينة علينا         وثبت الأقدام إن لاقينا

                                                                 والمشركون قد بغوا علينا 

قال: فلما قضيتُ رجزي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ قلت: قال أخي,  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمه الله، فقلت: يا رسول الله! إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات جاهداً مجاهداً) رواه مسلم، وفي رواية للنسائي صححها الألباني قال ابن شهاب: "ثم سألت ابناًلسلمة بن الأكوع، فحدثني عن أبيه مثل ذلك غير أنه قال: حين قلت: "إن ناساً يهابون الصلاة عليه" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين، وأشار بإصبعيه).

لقد شهدت غزوة خيبر وغيرها من غزوات وأحداث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الدلائل والمعجزات التي أجراها الله عز وجل على يد نبيه صلى الله عليه وسلم، والتي يتعلق بعضها بالإخبار عن استشهاد بعض أصحابه، وشفاء بعضهم على يديه، ويتعلق البعض الآخر بتأييد وحفظ الله له، وبقيت هذه الدلائل وغيرها شاهدة على علو قدره وشأنه، وصدق نبوّته صلوات الله وسلامه عليه.

@ الحلقة الثالثة و العشرون @ السيرة النبوية الشريفة @ غزوة مؤتة @ TAHA G...

اتّسمت العلاقات بين المسلمين والروم بالتوتّر ، فقد دأبت الروم ومن والاها من العرب على مضايقة المسلمين واستفزازهم بكل الطرق ، وكان من أظهرها المحاولات المتكرّرة للتعرّض لتجارة المسلمين القادمة من الشام ، والقيام بالسلب والنهب للقوافل التي تمرّ بطريقهم ، ناهيك عمّا مارسوه من ضغوطاتٍ ومضايقاتٍ طالت كل مسلم وقع تحت أيديهم .    
وبلغ الأذى ذروته حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام ، فما كان من ملك بصرى  شرحبيل بن عمرو الغساني  إلا أن قتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتدّ ذلك على رسول  الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ كان هذا هو أول رسولٍ له يُقتل على خلاف ما جرت العادة من إكرام الرسل وعدم التعرّض لهم .
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج ومقاتلة الروم حتى يضع حداً لهذه التصرّفات الهمجية ولأجل تأديبهم ، وسرعان ما اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل ، فعقد الراية لثلاثة منهم وجعل إمرتهم بالتناوب ، فقال صلى الله عليه وسلم :  ( إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة )  رواه  البخاري ومسلم ، فتجهّز الناس وخرجوا ، وكان ذلك يوم الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، فلما ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلّموا عليهم ، بكى  عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة  فقال : " أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } ( مريم : 711 ) فلست أدري كيف لي  بالصدر بعد الورود ؟ ".  
فقال المسلمون : " صحبكم الله ، ودفع عنكم ، وردّكم إلينا صالحين ، فأجابهم عبد الله بن رواحة  :
           لكنني أسأل الرحمن مغفرة       وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
           أو طعنة بيدي حران مجهزة        بحربة تنفذ الأحشاء والكبــدا
          حتى يقال إذا مروا على جدثي      أرشده الله من غاز وقد رشدا
وأوصى النبي  صلى الله عليه وسلم صحابته قائلاً : ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ،   وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد  وغيره من أصحاب السنن .
وسار المسلمون حتى نزلوا معانا - اسم قرية - من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم ، وجذام ، وبلقين ، وبهراء ، فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل ، فعقد المسلمون مجلسا للتشاور ، فقال بعضهم : نكتب للنبي صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، وقال آخرون :  قد وطئتَ البلاد وأخفتَ أهلها ، فانصرف ؛ فإنه لا يعدلُ العافية شيء . و عبد الله بن رواحة  رضي الله عنه ساكت ، فسأله زيد  عن رأيه فقال : يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون  الشهادة ، ما نقاتل الناس بعدد ، ولا عدة ، ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة ، فقال الناس : صدق والله ابن رواحة ، فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء - منطقة بالشام - ، لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف ، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة وتسمى اليوم بالكرك ، فالتقى الناس عندها ، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة الجيش قطبة بن قتادة رجل من بني عذرة ، وعلى الميسرة أنصاريٌّ يقال له عبادة بن مالك  .
والتحم الجيشان وحمي الوطيس ، واقتتلوا قتالا شديداً ، وقتل أول قادة المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مقبلاً غير مدبر ، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه ، وأخذ ينشد :
            يا حبذا الجنة واقترابها     طيبة وبارد شرابها
            والروم روم قد دنا عذابها  كافرة بعيدة أنسابها
                                علي إن لاقيتها ضرابها  
فقطعت يمينه رضي الله عنه ، فأخذ الراية بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ، ويقول :
             أقسمت يا نفس لتنزلن            لتنزلن أو لتكرهنه
             إن أجلب الناس وشدوا الرنة       ما لي أراك تكرهين الجنة
             قد طال ما قد كنت مطمئنة        هل أنت إلا نطفة في شنة
  وقال أيضا :
يا نفس إلا تقتلي تموتي   هذا حمام الموت قد صليت
        وما تمنيت فقد أعطيت     إن تفعلي فعلهما هديت
ولما نزل أتاه ابن عم له بقطعة لحم ، فقال : اشدد بها صلبك ، فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ، فنهش منه نهشة ، ثم سمع تدافع الناس للقتال فقال : وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه من يده ، وأخذ سيفه ، فتقدم فقاتل حتى قُتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم بن ثعلبة الأنصاري  فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، فقالوا : أنت فقال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد .
  وقد سارع الوحي إلى إبلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث المعركة ، فعن أنسرضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا و جعفرا و ابن رواحة  للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال : (أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذ  ابن رواحةفأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم )  رواهالبخاري .
   وبعد أن استلم الإمرة خالد أراد أن ينقذ الجيش الإسلامي بطريقة تحفظ له كيانه وتبقي هيبته ، وقدّر أن الحل يكمن بالانسحاب بعد إرهاب العدوّ وإيهامه بوصول إمدادات جديدة ، فصمد حتى الليل واستغلّ الظلام ليغيّر مراكز المقاتلين ، وحوَّل الميسرة ميمنة ، والميمنة ميسرة ، والمؤخرة مقدمة والعكس ، وطلب من خيّالة المسلمين اصطناع غبارٍ وجلبة قويّة ، فظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد ، فخارت عزائمهم ، واشتدّ عليهم المسلمون حتى يقولخالد  رضي الله عنه : لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية ، وهكذا نجح خالد  في العودة بالجيش إلى المدينة بأقلّ خسارة ممكنة ، وقُتل من الروم خلقٌ كثير لا يُعرف عددهم وكان في ذلك نصرٌ كبير للإسلام والمسلمين .
ولما وصل خالد إلى المدينة ، أخذ بعض المسلمين في عتاب من فرّ في بداية المعركة ،  فخشي أولئك من غضب الله ورسوله حتى همّوا أن يركبوالبحر ، ثم قالوا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتوه قبل صلاة الغداة فخرج فقال :  (من القوم ) ؟ فقالوا : نحن الفرارون فقال :  (لا ، بل أنتم الكرارون ، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ) فأتوه وقبلوا يده الشريفة .
هذه هي غزوة مؤتة تكاد تتفجر عظة وعبرة ، فما إن يقرأ القارئ هذه الأحداث إلا ويجد الإعجاب قد عقد لسانه ، فأي بشر هؤلاء ، يقفون بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمام جيش هائل قوامه مائتي ألف مقاتل ، إن تصورا سريعا للقوتين ليعطي نتائج حاسمة بانتصار الجيش الكبير على الجيش المقابل ، ومع ذلك يتقدم المسلمون على قلة عددهم ، وضعف عُدَدَهِم - آلة الحرب - ليضربوا أعظم صور التضحية والفداء ، بل ولينتصروا على ذلك العدو ، في أعظم مهزلة يتعرض لها جيش الإمبراطورية الرومانية ، إن غزوة مؤتة بكل المقاييس العسكرية معجزة من المعجزات ، وكرامة من الكرامات ، لقد وضعت معركة مؤتة القاعدة العسكرية الإسلامية في مواجهة العدو ، فنحن لا نقاتل بعدد ولا عدة ولكن نقاتل بهذا الدين ، فإذا تمحض قتالنا نصرة لدين الله ، وقمنا - ما استطعنا - بما أوجبه الله علينا من الأخذ بالأسباب الظاهرة ، كان النصر حليفنا بإذن الله .

إن ما يتمتع به المسلم من حب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل هذا الدين نابع من إيمانه بالله ويقينه بما عنده ، فهل تُحيا في الأمة هذه البسالة ، وهل نستخلص من غزوة مؤتة - خاصة - وتاريخ المسلمين الجهادي - عامة - دروسا تزرع التضحية والفداء في قلوب فتيانه حتى يعود للأمة سابق مجدها وغابر عزها .

@ صراع التماسيح وأفراس النهر @ لمن يتم الحسم ومن الضحية @ TAHA GIBBA @

صراع التماسيح و أفراس النهر صراع ازلي بينهما علي ملكية السيطرة علي ما تبقي من مياة الأنهار كل عام أثناء موسم الجفاف  لمن  يتم حسم الصراع ومن الضحية شاهد الفديو